منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
ابتسم وعيش الفرحة
مرحبا اخي الزائر في منتدى حسن علي اصلع بواح حللت اهلا ووطئت سهلا نرجو منك التسجيل في منتدانا او الدخول اذا كنت مسجلا من قبل نتمنى لكم اقامة عامرة
المدير التنفيدي / حسن علي اصلع بواح
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
ابتسم وعيش الفرحة
مرحبا اخي الزائر في منتدى حسن علي اصلع بواح حللت اهلا ووطئت سهلا نرجو منك التسجيل في منتدانا او الدخول اذا كنت مسجلا من قبل نتمنى لكم اقامة عامرة
المدير التنفيدي / حسن علي اصلع بواح
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي

سياسي - ثقافي - اجتماعي - ادبي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  الجود والكرم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسن علي اصلع بواح
المدير العام
المدير العام
حسن علي اصلع بواح


عدد المساهمات : 616
نقاط : 31195
المستوى والانجاز : 3
تاريخ التسجيل : 09/02/2011
العمر : 34
الموقع : جده السعودية

 الجود والكرم Empty
مُساهمةموضوع: الجود والكرم    الجود والكرم Icon_minitime1الخميس 8 أغسطس 2013 - 16:56

يتجدد حديثنا عن شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم ودرس اليوم عن جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم.
فالجود والكرم من أحسن الخصال وأجمل السجايا التي تجعل للإنسان مكانة في نفوس الناس وأثرا في حياتهم وتغرس له محبة في قلوبهم ورضاً في نفوسهم ويكون مقصداً لما قد يعرض لهم من الحوائج ومأرزا لما قد يحل بهم من النوائب يستعينون بعد الله سبحانه وتعالى به لكرمه وجوده.
الجود لغة:
الجود في لغة العرب أصل يدل على التسمح بالشيء وكثرة العطاء، فالجواد تسمح نفسه بأن يعطي وأن يكثر من العطاء وهذا المعنى في أصل لغة العرب مشتق من هذا الأصل الثلاثي الذي يتضمن معان أخرى أيضاً منها: الإجادة والتجويد وهو إحسان الأمر وأداؤه على الوجه المطلوب، وقد يلحق ذلك أيضا بمعنى الجود فإن الجواد يحسن العطاء ويسد الحاجة ويغني عمن سواه فيما يتعلق به أو يسأل عنه.
الجود اصطلاحا:
والجود في الاصطلاح كما ذكره بعض العلماء هو إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض، فأصل الجود هو العطاء من غير تعلق بالعوض أي بأن يعوض الإنسان على ما يعطيه وأن لا يكون له غرض في عطائه ذاك بحيث يكون يرغب من ورائه مصلحة من المصالح المعنوية أو المادية.
وبعض العلماء عرف الجود بأنه: العطاء بلا مسألة يعني هو المبادرة بالعطاء لذي الحاجة دون أن يسأل أو قبل أن يضطر إلى أن يسأل ويطلب.
والكرم في لغة العرب ضد اللؤم وهو أوسع في معناه من العطاء، فثمة كرم في الأخلاق، وكرم في النفس، وكرم في القول، والكرم المعروف في كثرة العطاء يدخل فيه كذلك، ومن هنا قال العلماء في تعريف الكرم أنه إعطاء الشيء عن طيب نفس قليلاً كان أو كثيرا.
وزاد بعضهم وأفاد وأجاد في وصف الكرم في التعريف الاصطلاحي فيما يتعلق بالإنفاق على وجه الخصوص، فقال ابن مستويه: "هو إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور الجليلة القدر والكثيرة النفع".
وكذلك عرّف بعضهم الكرم بأنه التبرع قبل السؤال، وثمة أمور من المسائل اليسيرة نقدم بها بين يدي تلك الشمائل والخلال للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
أن الجود والكرم من صفات الباري سبحانه وتعالى فهو الجواد وهو الكريم جل وعلا، وقد ورد من ذلك وخاصة في صفة الكرم من القرآن آيات كثيرة وذكر وصفه جل وعلا بهذا الوصف كما أن الكرم أطلق كصفة على كثير من الأفعال والخلال كما في قول الله جل وعلا: {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} (الإسراء: 23)، وكما في قوله: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} (الأحزاب: 31)، وغير ذلك من المواطن الكثيرة التي ورد فيها مثل ذلك.
وقد ورد كذلك في حديث سلمان المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الرب سبحانه وتعالى أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ" (رواه الترمذي)، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم كذلك من رواية سهل بن سعد أنه قال: "إن الله كريم يحب الكرم و يحب معالي الأخلاق و يكره سفسافها" وهذا ورد عند الحاكم في مستدركه وصححه.
أما جود المصطفى صلى الله عليه وسلم وكرمه فأعظم من أن يوصف وأشهر من أن يعرّف وفيه من المواقف والأحداث ما يعطينا غيظا من فيض جوده وكرمه عليه الصلاة والسلام، ونقف في ذلك وقفات متعددة:
أولها: في صفة الجود والكرم على وجه العموم في النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف عليه الصلاة والسلام بذلك كثيرا بل وصف به على أبلغ وأكمل الأوصاف ونحن نعلم أن الرجل لا يوصف بصفة إلا إذا تكررت منه وإذا كانت واضحة جلية فيه، نحن لا نقول من حادثة واحدة أن فلانا كريماً أو أن فلاناً رحيماً أو غير ذلك، بل لا نطلق الصفة إلا إذا رأينا هذا الخلق وهو دائم مستمر مع صاحبه، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل مبعثه، ولعلنا نبدأ بصفات الصحابة رضوان الله عليهم التي وصفوا بها النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب.
ومن ذلك وصف خديجة رضي الله عنها للمصطفى عليه الصلاة والسلام عندما نزل عليه الوحي في أول مرة وجاء وقد خالطه شيء من الخوف وأفضى بأمره إلى أم المؤمنين خديجة فلما سكن روعه قالت له رضي الله عنها بعد أن أخبرها خبره "كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" (رواه البخاري)، هذه صفته قبل مبعثه لأنها كانت تستشهد بصفته وسيرته قبل هذه الحادثة فتقول من كان هذا وصفه لن يكون هذا الحادث له إلا خيرا. "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ" أي الأثقال التي تنوء بها فيما تقوم به من أمر أهلك وأبنائك ومن تعولهم "وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ" تعطي المعدوم والفقير "وَتَقْرِي الضَّيْفَ" فتكرم وتعطي وتعين على نوائب الحق في الأمور المدلهمة وفي الأحوال العصيبة فكان هذا من أبلغ الوصف وأجله، ونرى أن جملة وافرة من هذه الصفات تتصل بجوده وكرمه عليه الصلاة والسلام.
وكذا وصف النبي عليه الصلاة والسلام نفسه في صفات كثيرة ذكر فيها ما يتصل بخصائص نبوته عليه الصلاة والسلام وكان مما قال: "إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي" (رواه أبو يعلى)، وهو أبو القاسم عليه الصلاة والسلام.
ما معنى أنه قاسم؟ من أسمائه عليه الصلاة والسلام أنه القاسم، هو يقسم ويقسّم ويوزّع والله المعطي، أي أنه في صفته وفي طبيعته أنه ما جاءه من الله وما أعطاه الله إياه يقسمه بين الناس كأنما لا يستبقي لنفسه شيئا وكأنما لا يدّخر شيئا.
وهذا الوصف الشهير الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة"، وهذا وصف بليغ جميل رائع لأن ابن عباس من فطاحل علماء الصحابة ومن أرباب اللغة، تأملوا هذا السياق الجميل الذي جعل البلاغة والمبالغة فيه بعضها فوق بعض، "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ" وهذا أفعل التفضيل الذي لا منتهى له، نقول فلان أجود من فلان، وفلان أجود من فلان، أما فلان فهو أجودهم جميعا، أي ليس فوقه أحد من الناس مطلقا في صفة الجود.
ثم زاد فوق هذا صفة أضافت معنى زادها جمالا وإيضاحا وكثرة وعظمة، فقال ابن عباس: "وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ" بمعنى أن هذا الجود يزداد جوداً لملابسات معينة ذكرها لما قال: "حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ" تتضاعف صفة الجود العظيمة في أصلها عند النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم وصف ذلك الجود الذي هو فوق الجود فقال: "فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"، أي الريح القوية التي تسوق كل شيء، فكأن النبي عليه الصلاة والسلام وهذا مضرب مثل عند العرب يقولون فلان جواد كالريح يعني يعطي وينفق ويخرج فهو قال أجود من الريح المرسلة أي المطلقة وهذا من جميل الوصف وبليغه.
وعن أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ" (رواه مسلم)، وهذا أيضاً على صفة المبالغة.
ونذكر كذلك حديث علي رضي الله عنه عند الترمذي في شمائله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشيرة من رآه بداهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أرى قبله ولا بعده مثله قط صلى الله عليه وسلم".
ونلاحظ أن الصحابة دائما ما ذكروا نعتا من تلك الخلال إلا وكان الجود في مقدمتها أو في أثنائها.
وكذلك من الصفة العامة التي وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ وأقوال كثيرة عن الصحابة في مثل هذا المعنى جاءت عن جابر وعن أبو هريرة وعن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم.
وننتقل إلى مرتبة أخرى نرى فيها الكرم البليغ العظيم في صورة مهمة هي من أدلّ دلائل الكرم وأظهر صوره وأجلاها التي تنفي نفيا كاملا قاطعا ما يضاد الكرم من البخل أو الإمساك، فقد تكون كريما في الجملة لكن في بعض الأحيان تمسك، فإذا قلنا أن فلانا لا يمسك فمعناه أنه هو الكريم الذي بلغ أعلى مراتب الكرم وذلك ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث جابر عند البخاري قال: "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاََ".
هذا وصف عجيب.. ما سئل شيئا قط فقال (لا) وهذا الذي قاله الفرزدق في بيته الشهير وإن كان الأحق بالوصف فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام:
ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد كانت لاءه نعم
ومثل هذا روي عند الترمذي في السنن وعند ابن حبان في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَدَّخِرُ شَيْئًا".
وننتقل إلى درجة أكثر وأكبر ومرتبة أعلى من جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم من خلال ذكر القصص أو الوقائع، في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما عندي شيء" قلنا إنه لا يقول (لا) ولا يدخر شيئا لكن لم يكن عنده شيء، ماذا يصنع؟ ماذا تتوقعون أن يكون من صاحب الجود والكرم؟ قال: "ما عندي شيء، ولكن ابتع عليّ فإذا جاء شيء قضيته" خذ ما تشاء وقل لهم السداد على محمد صلى الله عليه وسلم. فقال عمر رضي الله عنه وكان حاضرا في المسجد: "يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه"، بمعنى مادام ليس عندك شيء لم تحمل نفسك دينا؟ فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر، وكان إذا كره شيئا يُرى على وجهه عليه الصلاة والسلام، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُرف البشر في وجهه ثم قال: "بهذا أمرت".
وهذه صورة أخرى في هذه القصة التي وقعت من بعض الصحابة رواها سهل بن سعد رضي الله عنه: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِبُرْدة فقالت: يا رسول الله: أكْسوك هذه. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فَلَبسَها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحْسَنَ هذه، فاكْسُنيها. فقال: (نعم). فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنْتَ حين رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم أخَذها مُحتاجاً إليها، ثم سألتَهُ إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسْأَل شيئاً فيمنعه. فقال: رجوتُ بَرَكَتَهَا حين لَبِسها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لَعَلَّي أُكَفَّن فيها. قال سهل فكانت كفنه، لم يكن الرجل يريد هذه البردة لأنها جميلة ولكن لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد لبسها فأراد أن تكون كفنا له، لكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتوان ولم يظهر على وجهه شيء يدل على أنه تضايق من ذلك أو كرهه بل سمحت به نفسه عليه الصلاة والسلام وجاد بها وأعطاها وهذا من أبلغ الكرم الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وننتقل إلى مرتبة أعلى لنرى فيها صورة أخرى تدل على أن هذا الكرم كان ملء نفسه عليه الصلاة والسلام وكان أمنية قلبه، وخذوا هذا الحديث الذي رواه جبير رضي الله عنه قال: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ -وغزوة حنين كانت أكثر الغزوات غنائم وقسم فيها النبي عليه الصلاة والسلام شيئا عظيماً- تَبِعَهُ الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ -أعطنا أعطنا- فَأَلْجَئُوهُ إلَى شَجَرَةٍ -وهو يسير- فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ -أي تعلق رداءه بالشجرة وأصبح معلقا في الشجرة، فقال: -بعد أن كان في حنين أنفق وأعطى وأعطى شيئا عظيما- رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَتخْشَوْنَ عَلَيَّ الْبُخْلَ؟ فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاة نَعَمًا -العضاة هي الشجرة البادية الممتدة في الصحراء يقول- لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاة نَعَمًا -يعني من البهائم- لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلا وَلا جَبَانًا ، وَلا كَذَّابًا".
ونعرف أيضاً الحديث المشهور العظيم الصحيح الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لتمنيت ألا يأتي عليّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيءٌ إلا شيئا أدخره لقوت يومي" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
واستخدم المال كذلك في الدعوة وكان يتألف به قلوب الناس كما فعل يوم حنين، يوم حنين كان مسلمة الفتح الذين أسلموا في فتح مكة بعضهم حديث عهد بإسلام فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد أن أخذ الغنائم الكثيرة أعطى أولئك القوم عطاء جزيلا حتى كان بعض عطاء الواحد منهم قد بلغ نحو مائة من الإبل، وهي ثروة ضخمة، وأعطى كثيراً يتألف القلوب، حتى وقعت الحادثة الشهيرة أن بعض الأنصار وجدوا شيئا في نفوسهم وقالوا: وجد محمداً أهله وقرابته فأعطاهم ومنعنا، فسمع النبي عليه الصلاة والسلام ذلك فجاءهم ووعظهم تلك الموعظة العظيمة البليغة التي نسخ من نفوسهم ومن قلوبهم أن ينظروا إلى الدنيا ومتاعها وأموالها، قال: "يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم، وموجدة وجدتموها عليّ، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله" ثم عدّد من نعمه عليهم بفضل الله عز وجل ثم قال: "أجيبوني أيها الأنصار"، فسكتوا، قال: "أما لو شئتم لقلتم ولصدقتم أتيتنا طريداً فآويناك وفقيرا فأغنيناك"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "الناس شعار والأنصار دثار، لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكتُ شعب الأنصار" ثم قال عليه الصلاة والسلام: "ألا ترضون أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم"، فبكوا حتى اخضلت لحاهم من الدموع رضوان الله عليهم.
في هذه الأحداث كان من سياقها أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله أعطني، فأشار له النبي على غنم في واد بين جبلين قال: "هذا لك"، قال: أتهزأ بي يا محمد؟، قال: "هو لك"، فذهب الرجل إلى قومه وقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء رجل لا يخشى الفقر، وفي رواية: عطاء من لا يخشى فاقة، فهذا الرجل عندما رأى هذا العطاء أقبل على الخير والإسلام وذهب يدعو قومه تعالوا إلى الإسلام وإلى محمد فإن عطاءه يدل على أمر عظيم وأنه لا يخش الفقر، وأنه يعتمد على عطاء الله عز وجل وعلى نعمته وفضله ورزقه سبحانه وتعالى.
وحديث صفوان بن أمية في الصحيح عند مسلم، يقول صفوان بن أمية وهو من مسلمة الفتح: "أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ الخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي -يعني أعطاه ثم أعطاه ثم أعطاه- حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ الخَلْقِ إِلَيَّ" (رواه الترمذي)، وهذا من أثر العطاء الذي كان له أثره في الدعوة وترغيب الناس.
وننتقل إلى أمر آخر وهو الجود والكرم في اللحظات العصيبة، قال عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن أفضل الصدقة كما عند البخاري في الصحيح قال: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ"، أن تصدق وأنت صحيح ليس في حال المرض وقرب الموت، شحيح يعني ما زالت نفسك تشح وأنت تنفق، وما زلت تأمل الغنى وتخشى الفقر، كذلك كان عليه الصلاة والسلام في ذلك الحال، لا ينتظر الإنسان عند الموت فيقول أعطوا فلان أعطوا فلان وقد كان لفلان.
لننظر إلى بعض الأحوال التي كانت تمر بالنبي عليه الصلاة والسلام وتدلنا على عظيم كرمه في الأحوال العصيبة في آخر لحظات حياته، ألا يفكر المرء أن يبقي شيئا من المال لأهله؟ ألا يفكر أن يبقي بعض المال لعله يحتاجه في هذه الظروف العصيبة؟ هذا حديث عائشة رضي الله عنها وهو عند الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح، تقول فيه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بذهب كان عندي في مرضه -مرض موته عليه الصلاة والسلام- عندها ذهب قال لها "تصدقي به" فأغشي عليه صلى الله عليه وسلم فأفاق، فماذا قال؟ ما الذي يشغل ذهنه؟ قال: "ما فعلتِ؟ أي فيما أمرتك به من الإنفاق؟"، قالت: شغلني ما رأيت منك-شُغلت عائشة بأمره عليه الصلاة والسلام وبمرضه وهو في حجرها رضي الله عنها- قال: "فهلمي بها" قالت: فجئتُ بها إليه سبعة أو تسعة دنانير، فقال: "ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده؟" فأمر بأن تنفق وتأكد وأكد وتابع مثل هذا.
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها وهو عند الإمام أحمد كذلك في مسنده قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه -أي متغير الوجه- قالت فحسبت ذلك من الوجع، فقلت: يا رسول الله ما لك ساهم الوجه، فقال: "من أجل الدنانير السبعة التي أوتينا بها أمس، أمسينا وهي في خصم الفراش" -يعني في طرفه وجانبه- وفي رواية: "أتتنا ولم ننفقها" وكان حريصا حتى في هذه الظروف الصعبة.
ولعلنا نختم الآن بخبر فيه أو بخبرين فيهما طرافة ولطافة في كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده:
الخبر الأول: رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني مجهود -أي بلغ بي الجهد والإعياء والحاجة إلى الطعام- فأرسل النبي عليه الصلاة والسلام إلى بعض نسائه شيء من الطعام فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فأرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك، كل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها إلا الماء، فماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: "من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟" إحالة من يتولى استضافة الرجل ودعا له النبي بالرحمة، فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت لا، إلا قوت صبياني، قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة" يعني أراد أن يدخل السرور على نفسه وأن الوحي تنزّل عليه بخبر ما كان من هذا الرجل وكرمه وحرصه على الخير والفضل.
والخبر الأخير فيه طول لكن فيه طرافة، هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (احتلبوا هذا اللبن بيننا).
قال: فكنّا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه. قال: فيجيء من الليل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما. ويسمع اليقظان. قال ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشيطان.
فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعلي شملة. إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النوم. وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم. ثم أتى المسجد فصلى. ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: (اللهم! أطعم من أطعمني واسق من أسقاني).
قال فعمدت إلى الشملة فشددتها عليّ. وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا هي حافلة. وإذا هنّ حفل كلهنّ. فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطعمون أن يحتلبوا فيه. قال فحلبت فيه حتى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أشربتم شرابكم الليلة؟).
قال قلت: يا رسول الله! اشرب. فشرب ثم ناولني. فقلت: يا رسول الله! اشرب. فشرب ثم ناولني. فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض. قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إحدى سوآتك يا مقداد) فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا. وفعلت كذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما هذه إلا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها) قال فقلت: والذي بعثك بالحق! ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من الناس. وهذا من كرم النبي ومن سماحة نفسه صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الكرماء ومن أهل الجود والسماحة وأن يخلقنا بأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-bowah.forumarabia.com
 
الجود والكرم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي :: المنتدى الاسلامي-
انتقل الى: