منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
ابتسم وعيش الفرحة
مرحبا اخي الزائر في منتدى حسن علي اصلع بواح حللت اهلا ووطئت سهلا نرجو منك التسجيل في منتدانا او الدخول اذا كنت مسجلا من قبل نتمنى لكم اقامة عامرة
المدير التنفيدي / حسن علي اصلع بواح
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
ابتسم وعيش الفرحة
مرحبا اخي الزائر في منتدى حسن علي اصلع بواح حللت اهلا ووطئت سهلا نرجو منك التسجيل في منتدانا او الدخول اذا كنت مسجلا من قبل نتمنى لكم اقامة عامرة
المدير التنفيدي / حسن علي اصلع بواح
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي

سياسي - ثقافي - اجتماعي - ادبي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 يوم الفرقان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسن علي اصلع بواح
المدير العام
المدير العام
حسن علي اصلع بواح


عدد المساهمات : 616
نقاط : 31195
المستوى والانجاز : 3
تاريخ التسجيل : 09/02/2011
العمر : 34
الموقع : جده السعودية

يوم الفرقان  Empty
مُساهمةموضوع: يوم الفرقان    يوم الفرقان  Icon_minitime1الخميس 8 أغسطس 2013 - 16:50

الخطبة الأولى:
معاشر المؤمنينCool
وصية الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين إلى قيام الساعة يوم الدين تقواه في كل آن وحين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102).
إخوة الإيمان..
الجمعة، السابع عشر من شهر رمضان، تطابق في اليوم والتاريخ، مع يوم بدر، يوم الفرقان، ولعلنا في وقفاتنا مع الفرقان ننتفع بكثير مما نحتاج إليه قلباً وفكراً وعقلاً وروحاً، كما ننتفع بذلك عملاً وسلوكاً ونظراً وتقويماً.
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (الفرقان: 1)، من أسماء القرآن الفرقان، قال الطبري في تفسيره: "أصل الفرقان الفرق بين شيئين والفصل بينهما"، وقد يكون ذلك بقضاء واستنقاذ وإظهار حجة ونصر وغير ذلك مما يصل إلى الأمور المفرقة بين المحق والمبطل، وسمي القرآن فرقانا لفصله بحججه وحدوده وشرائعه وأدلته وسائر معاني حكمه بين المحق والمبطل، وفرقانا بينهما بنصره المحق وتخذيله المبطل حكما وقضاء، فالقرآن يفصل ويفرق بين الحق والباطل، وينصر ويخذل، أهل الحق نصراً، وأهل الباطل خذلاناً، ويمضي ذلك بقضاء وقدر وبحكم وعمل، ولذلك أنت أيها المؤمن أيها الصائم المتصل بالقرآن في شهر رمضان ليكن هو الفرقان، ليكن هو الذي تبصر به الحقائق، فلا يكون ثمة تدليس ولا تلبيس، ليكن هو المرجع في الميزان فلا يكون انتكاس ولا ارتكاس، ليكن هو الفصل في المواقف فلا يكون خذلان ولا تردد، وهذا من نعمة الله جل وعلا على أهل الإيمان أن جعل لهم من آياته ومن كلماته ومن أحكامه وشرائعه ما يكونون به على بينة من أمرهم: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (الأنعام: 57).
ولننتقل إلى الفرقان الذي خص الله به أهل الإيمان مترتبا على تقواه سبحانه وتعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال: 29)، {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ} فعل الشرط جوابه المجزوم به قطعاً: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} يؤتيكم فرقانا، وما معنى ذلك؟ معانٍ كثيرة ذكرها المفسرون وكلها تندرج في هذه الكلمة العظيمة التي وردت منكّرة ومنونة لتدل على العموم، فرقانا في كل شيء.
فصلا بين الحق والباطل ليظهر به حقكم ويخفي به باطل من خالفكم، المطلوب منكم أن تتقوه وسيجعل الفرقان بأن يظهر الحق ويقيم أدلته وينصر حقيقته وينشر مضامينه، بتقديره وتيسيره، المهم {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}.
وقال بعضهم مخرجا من الشبهات، يعطيك بصيرة إيمانية ونورا ربانيا لا يعود فيه بعد ذلك شيء لا وضوح له.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} (الحديد: 28)، إذا أظلمت الأمور فنورك الذي يكون مضيئا لك ولمن وراءك لأنك مستنيرٌ مستضيءٌ بنور الله، لأن نورك مستمد من آيات الله ومن كتاب الله ومن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يؤتكم فرقاناً: العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة وأهل الشقاوة، تزول المظاهر الخداعة، وتمحى أسباب الزيغ واللبس والغبش، قال الرازي في تفسيره: "إن ذلك يكون على وجوه معنوية تتصل بالقلوب، ووجوه حسية تتصل بالواقع"، قال: "أما القلوب فيخص المؤمنين أولاً بالهداية والمعرفة، وصدورهم بالانشراح: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ} (الزمر: 22)، ويزيل الغل والحسد من قلوبهم، والمكر والخداع عن صدورهم، مع أن المنافق والكافر يكون قلبه مملوءا بهذه الأحوال الخسيسة والأخلاق الذميمة.
ومعرفة الله نور تبدد هذه الظلمات، فأول الفرقان نور القلب المهتدي بهداية الله، المتبع لشرع وهدي وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني أنواره النقاء والصفاء والعلاج من كل داء بإذن الله سبحانه وتعالى.
ثم قالوا أيضاً فرقاناً: أي نصراً لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه، والإسلام بإعزاز أهله، بل قال بعضهم {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}: أي بيانا وظهوراً يشهر أمركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض، وقد رأينا ذلك الفرقان في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد كان وحيدا وبعد ذلك صار طريدا وفي كثير من الأحوال كان محاربا لكن حجته علت ونوره انتشر ودينه دخل القلوب وفتح العقول وما كان انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد ما قال الله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} (النصر: 1-2)، حتى ألد أعدائه وأشد خصومه وأعظم محاربيه صاروا مؤمنين به وأتباعا له وجنودا تحت لوائه وجعلوا صدورهم دروعا تحميه عليه الصلاة والسلام، كيف تبدّل الأمر؟ وكيف تغيرت الأحوال؟ إنه الفرقان، من اعتصم بالله وتوكل عليه واتقاه جعل له الفرقان الذي فيه ناحية معنوية في البيان وناحية مادية في تغير الأحوال وإقامة الحجة وإظهار الأمر بقدره وحكمه وسنته: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 62)، {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (فاطر: 43).
القرآن فرقان وإن اتقيت الله آتاك فرقانا، فلنمض معا لنرى الصورة حية في هذا القرآن، الفرقان القرآني وهذا الفرقان الإيماني في يوم الفرقان.
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} (الأنفال: 41)، كثيرٌ من أحداث يوم بدرٍ نعرفها وربما نحفظها، نريد أن نرى جانب الفرقان فحسب، لم سمي ذلك اليوم يوم الفرقان؟ كيف كان فارقا بين الحق والباطل والهدى والضلال؟، قال ابن كثير في تفسيره: "سمي يوم الفرقان لأن الله تعالى أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه"، وقال غيره من المفسرين: "يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله مع كون أولئك كانوا كثرة وعندهم عدة، وأولئك كانوا قلة ولا عدة لهم، فأعز الله رسوله ووحيه وتنزيله وبيض وجه نبيه وقبيله، وأخزى سبحانه وتعالى الكفر وأهله" وهنا يذكر أهل التفسير حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ) (رواه البخاري)، والرواية عند الإمام أحمد في مسنده من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يابن أم سعد، وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"، هذه أول صور الفرقان، لا تنظر إلى العدد قلة وكثرة، لا تنظر إلى العدد جودة ومضاء فإن وراء ذلك فرقانا إيمانيا آخر: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} (الأنفال: 17)، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} (غافر: 51)، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47)، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج: 38)، ذلكم من الوجوه الظاهرة الواضحة في الفرقان.
وانظروا إلى صور أخرى وهي ومضات قليلة من مجمل تلك الأحداث في يوم بدر، لما تعيّن القتال بعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج للعير ولم يخرج بعدد كبير ولم يثرّب على من لم يخرج معه، ولم يكن معهم من السلاح إلا السيوف في قرابها، لما تعين القتال قال: "أشيروا علي أيها الناس"، فتكلم أبو بكر وتكلم عمر رضي الله عنهما فأحسنا، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: والله لا نقول ما قالت بنو إسرائيل لموسى اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ولكنا نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، ثم قال: "أشيروا علي أيها الناس" فقام سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟، قال: "نعم"، فقال سعد رضي الله عنه: سر بنا يا رسول الله، فوالله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
أنتقل بكم إلى المشهد الآخر، إلى أصحاب العدد الكثير والأسلحة الوفيرة وزعيمهم فرعون الأمة أبو جهل، لما نجت القافلة، قال الأخرس بن شريق سيد بني زهرة: قد سلمت أموالكم فارجعوا فنهره أبو جهل لكنه مضى مع قومه وانسحب، ثم توالى الأمر وجاء عمير بن وهب إلى عتبة بن ربيعة، وكان له ثأر في غزاة أو في سرية، قتل فيها المسلمون واحدا من حلفائه، فقال له عمير: أوَ ليس لك في أمر يكون فيه خير لك وللناس، قال: ماذا؟، قال: تحمل هذا الذي تأخذ بثأره وارجع بالناس، قال: إني فاعل ولكن عليك بأبي الحكم بن هشام، فوالله إنه لقد نفخ في سحره، فمضى إليه عمير ابن وهب وقام عتبة في الناس يحدث ويقول لهم مخذلا ومتراجعا: ما تصنعون؟ ما تصنعون؟ لعل أحدكم يرى ما يكره، يرى الرجل الذي يكره فيقول حينئذ هذا قاتل ابن عمه، وهذا قاتل ابن خاله، فارجعوا وادخلوا وخلوا بين محمد وبين العرب فإن قتلوه أو هزموه وقع الذي أردتم وإن كانت الأخرى لم تعرضوا منه ما تريدون، لكن أبا جهل قام في الناس من جديد يبطل هذا القول ويثير الحفيظة ويأتي بابن الحضرمي الذي له الثأر ويصرخ أمام الناس طالبا ثأره فيحمى القوم من جديد، وعمير بن وهب أرسلوه لينظر في جيش أهل الإسلام، فقال لهم: هم بين الثلاثمائة يزيدون قليلا أو ينقصون، ثم قال: انظروني أنظر هل لهم من مدد، فذهب إلى مكان أبعد، وقال: إنه لا مدد لهم، ثم قال لهم كلمات حتى نرى الفرقان بين قلوب مؤمنة مطمئنة تركن إلى ربها وتفيء وترجع إليه وتثق بوعده ونصره، وبين قلوب مغترة بقوتها معتمدة على كثرتها نافخة في جاهليتها، ماذا قال عمير لهم؟ قال: إنهم ثلاثمائة يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم إلا سيوفهم ولا ملجأ لهم إلا سيوفهم، فوالله لا يموت واحد منهم حتى يقتل واحدا منكم فلئن قتلوا بمثل عددكم فما الخير فيما وراء ذلك، هذه هي المعنويات المختلفة، هذا هو الفرقان الظاهر، وانظر من بعد ذلك ما قال أبو جهل لما سرت تلك الأمور وقيلت تلك المقالات، قال: والله لا نرجع حتى نأتي بدرا فنقيم بها ثلاثا وننحر الجزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب، وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا، هذا الذي يريده، سقي الخمر وعزف القيان وإعلان الجاهلية بفخرها وخيلائها وفرض القوة والإرهاب على الضعفاء، وفي الجانب الآخر كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلى السماء وهو ينادي: "رباه اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً"، مواقف متباينة مختلفة، فرقان ظاهر واضح، ثم ماذا؟ لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد سأل أيضاً فيما سأل عندما قبضوا على رجل أسير فأخذه المسلمون قبل المعركة يسألونه عن عير أبي سفيان، وهو يخبرهم عن الجيش ولم يكونوا قد علموا به، فيضربونه فيخبرهم مرة أخرى عن قافلة أبي سفيان فيتركونه فقال: "لما صدقكم ضربتموه، ولما كذبكم تركتموه"، فسأله النبي عن الجيش فأخبره، قال: "ومن فيهم؟"، فعدّد له رؤوس الكفر من صناديد قريش، أبو جهل، أمية بن خلف، أبي بن كعب، عتبة، كل رؤوس الكفر، فأخذ النبي كفا من حصى ورمى به وقال: "شاهت الوجوه"، وعين مصارع القوم فقال: "هذا مصرع أبي جهل، وهذا مصرع أمية، وهذا مصرع عقبة بن أبي معيط"، فما تجاوز واحد منهم الموضع الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان المصرع الأكبر لرأس الكفر أبي جهل، ومن عجب أن الله يجري قدره بما فيه العظة والعبرة، ذلك الرجل الضخم الكبير، ذلك القائد العظيم في قومه كان مقتله على يد غلامين صغيرين من الأنصار، اجتمعا عليه فاختلفت عليه سيوفهما حتى لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام: "أيكما قتله؟"، قال هذا: أنا، وقال هذا: أنا، فقال: "أروني سيفيكما"، فقال: "كلاكما قتله".
وانظروا إلى الفرق في القوة، إنها ليست الضخامة، ليست الفتوة، إنها المدد الرباني، إنها اليقين الإيماني، إنها الثبات على الحق، إنها أن تكون على النهج الصحيح ثابتا عليه، وفي الروايات أيضا أن النبي بعد المعركة سأل عن أبي جهل، فمضى ابن مسعود ونحن نعلم أيضا أنه كان دقيق الساقين نحيل الجسم فوضع قدمه على وجه أبي جهل وما زال به رمق، كما في بعض الروايات، هذا النحيل الضعيف يضع قدمه على رقبة أبي جهل وهو مجندل ويقول كما في بعض الروايات: متغطرسا حتى في آخر اللحظات يخاطب ابن مسعود ويقول: لقد ارتقيت مرتقىً صعبا يا رويعي الغنم، هكذا يبقى الكفر والجاهلية تنبض في عروق أولئك إلى آخر نفس من الأنفاس، كما فعل الله بفرعون {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} (يونس: 90)، فجاء الجواب الرباني: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} (يونس: 91-92).
صور كثيرة ورائعة في هذا الفرقان البين الذي حقيقته وجوهره باق إلى قيام الساعة، لم يكن الفرقان خاصا بسيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولم يكن مقصوراً على أصحابه، بل هو فرقان في القرآن باق إلى قيام الساعة وهو فرقان موعود به جزما لأهل الإيمان: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} (الأنفال: 29).
اللهم اجعل الفرقان يملأ قلوبنا واجعلنا من أهل الفرقان بالحق يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
معاشر المؤمنينCool
أوصيكم بتقوى الله سبحانه وتعالى فإنها أعظم وصية أمرنا الله بها ودعانا إليها، وإننا ونحن نتأمل الفرقان تكثر الصور والمشاهد في هذا اليوم العظيم، وأختمها بما أصله بعد ذلك بغيره.
لننظر كيف كان الموقف عندما حمي الوطيس، عندما ابتدأت المعركة، دعونا عما قبل ذلك، فإن فيما قبله كثير وكثير لم نذكره، نزلت الأمطار هنا على المسلمين، ولم تنزل هنا في جانب آخر، أي أمر أظهر من ذلك وأوضح، اطمأنت القلوب هنا، وخافت وانخلعت هناك، دعونا ننظر إلى المشهد في معركة المبارزة ثلاثة بثلاثة، والنصر لأهل الإسلام، والنبي يقول: "ما بين أحدكم وبين الجنة إلا أن يقاتلهم مقبلا غير مدبر"، فيقول عمير بن الحمام: أليس بيني وبين الجنة إلا ذاك يا رسول الله؟، فيقول: "نعم"، وفي يده ثمرات فيلقيها يقول: ما أطولها من حياة، بخ بخ، ذلك مال رابح، ثم ينطلق ويقاتل ويستشهد، في المقابل تلك الجموع الغفيرة التي كانت ثلاثة أضعاف المسلمين، مع أول المعركة اضطربت الصفوف واختلت ومضت تهرب لا تلوي على شيء، وسبعون من قتلاهم وسبعون أسرى، مما يدل عن أن المعركة كانت غير متكافئة أبدا، لكنها غير متكافئة ليس بالمقياس المادي وإنما بالمقياس الإيماني.
وانظر لذلك أن الفرقان هو كذلك في كل وقت وفي كل آن وفي كل زمان، واعلم أن يقينك بالفرقان هو حقيقة إيمانك بهذا الفرقان، ولم يكن الفرقان مقتصرا على هذا فقد ذكر الله الفرقان في قصة موسى عليه السلام وبيّن أنه قد آتاه الله سبحانه وتعالى الفرقان أيضا، لأن قصة موسى مع فرعون هي نموذج جلي واضح للفرقان بين الحق والباطل، وبين القوة الغاشمة والقلة المستضعفة، وبين استخدام الوسائل الخسيسة والدنيئة الملبسة على الناس كالسحر وغيره، وبين الذي يعتصم بالحق ولا ينطق إلا به.
لكن المشهد هنا وفي مشهد آخر نذكره أيضا ينبئنا دائما عن قضية تكررت وهي الحشود العظيمة والجموع الكثيرة التي ينادي بها ويدعو إليها هذا الطاغي وذلك الباغي، فرعون جمع الناس: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} (طه: 59)، وأتى بالناس في المدائن دعاهم حاشدين، وحشد الناس أجمعين وجاء بسحرته ومعه قوته يظن أن الأمر سيكون له وأن الغلبة لما قد أعده، في لحظة تكاد أن تكون كلمح البصر: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (الشعراء: 45)، انتهى السحر بطلت كل الأحابيل والألاعيب {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الأعراف: 121-122)، وتغير الحال في لحظة واحدة وأُسقط في يدي فرعون فاستدعى حيلته التي تدل على ضعفه وهي القوة لأنه لا قوة للبرهان ولا قوة للخلق والمبدأ فلا يبقى إلا قوة البطش: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: 71)، وماذا قال أولئك؟ {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (طه: 72)، نحن اليوم مقاييسنا اختلفت، مبادئنا تغيرت، آمالنا وطموحاتنا اختلفت: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 51)، هكذا هي اللحظات الفارقة التي تظهر الفرقان.
ولعلي أختم بما تعلمونه أيضا من القصة التي وردت مطولة في صحيح مسلم، وآياتها في القرآن واضحة وهي قصة أصحاب الأخدود، لما أعيت ذلك الطاغية الحيل، ولم يفطن رغم مرة واثنتين وثلاث، مرة في البحر ومرة في الجبل ومرة، وقدرة الله تظهر وآياته تتجلى والقلب أعمى والعقل لا يفكر، حتى جاء المشهد العظيم، أتريد أن تقتلني؟، قال: نعم، قال: اجمع الناس في صعيد واحد، جمعهم، قال: فإذا جمعتهم فخذ سهماً من كنانتي، انظر من الذي يعطيه التوجيه والأمر، فخذ سهماً من كنانتي ثم قل: بسم الله رب الغلام فإنك إن فعلت ورميتني قتلتني، ففعل الأهبل المغرور الأحمق الذي عميت بصيرته لأنه يريد تحقيق هدفه في القتل والبطش، جمع الناس وأخذ السهم وقال: بسم الله رب الغلام فقتل الغلام وأحيا الإيمان في قلوب الجموع، فهتفت بصوت واحد: "آمنا برب الغلام"، لأنك أثبتّ لنا أن رب الغلام هو الإله القادر، بعد أن عجزت بكل أسباب قوتك، ولو شئتم أن تمضوا في قصص الأنبياء، وفي قصص القرآن، وفي شتى ما كان من شأن الأمم والأقوام فإنكم واجدون أمر الفرقان واضحا وظاهرا، فعظموا به اليقين وكونوا على يقين جازم بوعد الله سبحانه وتعالى، لا شك في ذلك ولا تردد، وهذا من أصل الإيمان ومن معنى الفرقان الذي وصف به القرآن ومن حقيقة الفرقان الذي يؤتاه أهل التقوى ونحن في موسم التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، والله يقول: {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} (الأنفال: 29)، فرقانك الإيماني في رمضان بصلتك بالقرآن بإخلاصك لربك الرحمن، باستقامتك على الأمر واجتنابك النهي، بيقينك بالوعد الرباني وشعورك بالأثر الإيماني، كل ذلك يغير صياغة أخرى تجعل لنا في هذا الشهر وربما كذلك في موافقة هذا اليوم يقيناً بفرقانٍ لا نشك فيه ولا نعرف كيف يكون أمره في أي حال وفي أي زمان، لكننا لا نتردد في الجزم به.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل لأمتنا فرقانا يعز به أهل الحق، ويخذل به أهل الباطل، ويعلي راية الحق وينكس راية الباطل، ويقيم حجة الحق، ويبطل شبهة الباطل.
نسألك اللهم أن ترزقنا فرقانا يفيء بنا إلى الحق وأهله ونصرتهم وولائهم، ويبعدنا عن الباطل وأهله ونصرتهم وولائهم.
كتبه: د. علي بن عمر بادحدح



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-bowah.forumarabia.com
 
يوم الفرقان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي :: المنتدى الاسلامي-
انتقل الى: