منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
ابتسم وعيش الفرحة
مرحبا اخي الزائر في منتدى حسن علي اصلع بواح حللت اهلا ووطئت سهلا نرجو منك التسجيل في منتدانا او الدخول اذا كنت مسجلا من قبل نتمنى لكم اقامة عامرة
المدير التنفيدي / حسن علي اصلع بواح
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
ابتسم وعيش الفرحة
مرحبا اخي الزائر في منتدى حسن علي اصلع بواح حللت اهلا ووطئت سهلا نرجو منك التسجيل في منتدانا او الدخول اذا كنت مسجلا من قبل نتمنى لكم اقامة عامرة
المدير التنفيدي / حسن علي اصلع بواح
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي

سياسي - ثقافي - اجتماعي - ادبي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 محاضرات في الأدب الجاهلي 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسن علي اصلع بواح
المدير العام
المدير العام
حسن علي اصلع بواح


عدد المساهمات : 616
نقاط : 31195
المستوى والانجاز : 3
تاريخ التسجيل : 09/02/2011
العمر : 34
الموقع : جده السعودية

محاضرات في  الأدب الجاهلي 1 Empty
مُساهمةموضوع: محاضرات في الأدب الجاهلي 1   محاضرات في  الأدب الجاهلي 1 Icon_minitime1الجمعة 20 أبريل 2012 - 10:24

[center] مما لاشك فيه أن الأدب الجاهلي أدب صحراوي مرتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة الصحراوية التي عاش فيها, وهو أدب شفوي تناقلته شفاه الرواة عبر أجيال متطاولة, فلم يصل إلينا منه إلا اقله و أما أكثره فقد ضاع في أثناء الرحلة الطويلة التي قطعتها قوافل الرواة.
فالأدب الجاهلي نمط مستقل عن آداب الأمم الأخرى, فهو يتفرد في خصائصه تفردا يكاد يكون تاما,ويعبر عن عبقرية خاصة هي عبقرية الإنسان البدوي الذي يستمد مثله وأخيلته , وحتى طبيعة لغته من الصحراء التي ينتمي إليها.
إن أصل كلمة أدب في اللغة هي (الدعاء) , ومنه الدعاء إلى وليمة , يقال: أدب القوم يؤدبهم أدبا , إذا دعاهم إلى طعام.
والآدب: هو الداعي إلى الطعام ,والأديب : هو الذي يكثر من صنع الطعام للناس والأضياف , والمأدبة :هي اجتماع الناس حول الطعام , يقول طرفة بن العبد:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر
ثم تطور المعنى فأصبح يعني الرجل الكريم لكثرة ما يقيم الآدب أو الأديب من موائد للناس .
وتعني الكلمة أيضا الترويض والتهذيب , فيقال للبعير إذا ريض وذلل: أديب, فاتصل معناه لذلك بتقويم الأخلاق وحسن التناول, فالآدب أو الأديب يؤدب الناس , أي يدعوهم إلى المحامد وينهاهم عن المقابح.
فلفظة أدب أصبحت تعني الأدب الخلقي كما في قول النعمان بن المنذر في رسالته إلى كسرىSad وقد أوفدت أيها الملك رهطا من العرب لهم فضل في أحسابهم وآدابهم).
ثم جاء الإسلام فأصبحت اللفظة تدل على التثقيف والتعليم ,إلى جانب دلالتها على الخلق الكريم ,فقد روي أن عليا (ع) قال للرسول ( ص ) : يا رسول الله نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره ,فقال الرسول ( ص): ( أدبني ربي فأحسن تأديبي , وربيت في بني سعد), فالتأديب هنا بمعنى التعليم, وقول عمر بن الخطاب: ( طفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار) ,فالأدب هنا بمعنى الخلق الكريم واصطناع السيرة الحميدة.
ثم جاء العصر الأموي فتغيرت دلالتها, وأصبح المؤدبون هم الذين يقومون بعملية التعليم , ووظيفتهم لذلك تتحدد فيها المعرفة بتقويم الأخلاق, من خلال ما يلقيه المعلم إلى طلبته من الشعر والقصص والأخبار والأنساب ومأثور الكلام, وكل ما من شأنه أن يثقف نفس الصبي ويهذبها, كما في قول بعض الفزاريين :
كذاك أدبت حتى صار من خلقي إني وجدت ملاك الشيمة الأدبا
وقول عبد الملك بن مروان لمعلم وِلْدِه : ( أدبهم برواية شعر الأعشى ) .
وقول معاوية : ( إجعلوا الشعر أكبر همكم وأكثر آدابكم ) .
ووجدت طبقة المعلمين الذين كانوا يؤدبون الناشئين من أبناء الخلفاء والأمراء والولاة, ويعلمونهم الأخبار واللغة والشعر وغيره , وأطلق عليهم لقب ( الأدباء) و( المؤدبين ) , مما يدل على أن الكلمة كانت تستعمل بمعنى التعليم .
إذن كلمة ( أدب) في العصر الأموي كانت تطلق على المعنى الخلقي المعروف, وعلى رواية أشعار العرب وأخبارها وأيامها وأنسابها,وتعليمها للناشئين والمتعلمين .
وفي العصر العباسي نشأت دراسات في النحو والصرف والعروض واللغة والبلاغة, وشملت كلمة ( أدب) هذه الدراسات جميعها, كما كان يطلق لفظ الأدباء على الكتاب والشعراء لتكسبهم بالأدب .
يقول ابن خلدون( 808هـ ) : الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف, وقد سبقه إلى ذلك ابن قتيبة ( 276هـ ) فقال: من أراد أن يكون عالما فليلزم فنا واحدا, ومن أراد أن يكون أديبا فليتسع في العلوم .
فالأدب : تعبير أداته اللغة , وهو مجموع الكلام المروي شعرا ونثرا, أو هو الفن الذي يحسن فيه الإنسان التعبير عن عواطفه وأفكاره .
أو هو تعبير فردي يعبر به منتجه عن عالمه الخاص, الناتج من اتصال الفرد مع مجتمعه, فالأدب يتصل بالفكر والإحساس والخيال , وأدب كل أمة هو تعبيرها الحي عن بيئتها الخاصة, يصورها ويصور تياراتها الفكرية والاجتماعية والسياسية, وأحزانها وأفراحها وأشواقها .
تحديد العصر الجاهلي :
إن مصطلح الجاهلية حقبة زمنية اصطلح مؤرخو العرب على تسميتها بعصر الجاهلية أو بالعصر الجاهلي , استنادا إلى كلمة الجاهلية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم بمعنى الحقبة من الزمن السابقة على الإسلام .
فالمصطلح إذن ارتبط ببيئة عربية قديمة موغلة في القدم نجهل بدايتها التاريخية, ومن ثم فليس العصر الجاهلي هو كل ما سبق الإسلام من زمن ممتد يطلق عليه ـ أحيانا ـ الجاهلية البعيدة , وهي الجاهلية التي ولد فيها إبراهيم ( ع ) , وإنما هي الجاهلية القريبة التي ولد فيها النبي محمد ( ص ) , التي لا تعدو قرنا ونصف القرن من الزمان قبل البعثة النبوية, وهو ما أشار إليه الجاحظ ( 255هـ ) في نصه المشهور: ( وأما الشعر فحديث الميلاد صغير السن ,أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة Coolفإذا استظهرنا الشعر وجدنا له ـ إلى أن جاء الله بالإسلام ـ خمسين ومائة عام , وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام ), وهو أمر مقبول ؛لأن ما قبل هذا التاريخ لم يصل إلينا موثقا .
والملاحظ أن هذا المصطلح قد اضطرب في كثير من كتابات الدارسين, حتى أخذوا يسبغون عليه ما ليس له, ومن ثم غدت صورة الجاهلية في الأذهان صفة للجهل والجور والبدائية , والأمية .
فالجاهلية اسم أطلقه القرآن الكريم على العصر الذي سبق الإسلام؛ لأن العرب في تلك الحقبة كانوا أهل جاهلية يعبد بعضهم الأوثان, ويتنازعون فيما بينهم, ويثأرون بعضهم من بعض, ويئدون بناتهم و أحيانا أولادهم, وكانوا يشربون الخمر ويجتمعون على الميسر .
وقد سعى المتعصبون من المسلمين وغير المسلمين إلى ذمها وإطلاق شتى النعوت التي يراد من ورائها الانتقاص من أمر ذلك العصر, والتقليل من شأنه , حتى ليخيل للناظر في أقوالهم إن الباطل كان سمة العصر, والضلال طابعه العام , فقالوا : إنه الزمان الذي كثر فيه الجهال, وإنه العهد الذي لا علم فيه.
لكن واقع العرب قبل الإسلام يغاير ما ذهب إليه أولئك الباحثون؛ لأن من كانت صفاتهم صفات العرب قبل الإسلام لا يصح أن يكونوا أبناء جاهلية جهلاء,ولاسيما أن لهم تلك الحضارة العريقة ,التي حذقوا فيها علوم التاريخ والأنساب وتعبير الرؤيا والأنواء , فضلا عن ذلك الفن القولي المتمثل بالشعر والنثر بأنواعه من خطابة وأمثال ورسائل وحكم وغيرها .
ومن ثم فإن مصطلح ( الجاهلي ) الذي اقترن بهذا العصر ,قد اتخذ معنيين, الأول ديني : يشير إلى أن العرب قبل الإسلام لم يكونوا ينعمون بزمن الإسلام وإشراقات تعاليمه,ومن ثم فهم بعيدون عن الخضوع والتسليم والطاعة لله تعالى؛إذ لم يكن لهم ناموس وازع, ولا نبي ملهم, ولا كتاب منزل ,أي هو جهل بالإسلام ,أما الثاني: فإنه من الجهل بمعنى السفه والطيش والغضب , أي تلك الحال الخلقية التي كانت مهيمنة على نفوس العرب , وهي الغلو في تقدير الأمور والإسراف في كل شيء, فكانوا يغالون في كرمهم حتى يغدو إسرافا وتبذيرا, ويغالون في شجاعتهم حتى تغدو ظلما للآخرين, أي أنه ينصرف إلى الجهل الذي هو مقابل الحلم , يقول عمرو بن كلثوم :
أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا
Cool
لَنا الدُنيا وَمَن أَضحى عَلَيها وَنَبطِشُ حينَ نَبطِشُ قادِرينا
نُسَــــــمّى ظالِمينَ وَما ظُلِمنا وَلــــكِنا سَنَبــــــــدَأُ ظالِمينا
ويقول عنترة بن شداد :
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِماً وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي
وقد أنَب الرسول (ص) أبا ذر الغفاري بعد أن سمعه يعير رجلا بأمه فقال له معاتبا : ( إنك امرؤ فيك جاهلية) ,أي فيك روح الجاهلية وطيشها, تغضب فلا تحلم, ولا تصبر ولا تسامح .
, وكلها تصب في دائرة الغطرسة والسفاهة في القول والفعل, وما كان يتصف به الفرد العربي قبل الإسلام من نزق وطيش, فضلا عن التعصب لجملة من الأحكام والقيم التي كان يؤمن بها , ولا يتسامح في تجاوزها.
وعلى العموم فإن الجهل الذي وصف به القرآن الكريم العرب قبل الإسلام ليس من الجهل الذي هو ضد العلم , وإنما هو وصف عارض لبعض الحالات والمواقف في ظروف معينة, قد تغيرت بعد مجيء الإسلام , فهي ليست حال ثابتة عند العرب .

المحاضرة الثالثة : ( أولية الشعر الجاهلي )
حظيت أولية الشعر الجاهلي باهتمام خاص في النقد العربي منذ القدم , وما زالت تحتل موقعها الذي تبوأته منذ القرن الثاني الهجري, لما اعتراها من غموض أوقع الكثيرين من الدارسين والمشتغلين بتاريخ الأدب العربي في حيرة ولبس, وما ذاك إلا لغياب الإثباتات المادية والقرائن العلمية التي يُستند إليها ويُطمأن إلى صحتها .
فمما لاشك فيه أن الشعر الجاهلي قديم موغل في القدم, قد مر بأطوار وأزمان طويلة, كان في عهد بداية وطفولة , ثم نما وترعرع حتى استوى قصيدا متينا على يد امرئ القيس وأقرانه من فحول الشعراء الجاهليين .
ولابد من أن يكون للشعر تاريخ طويل قطع فيه أشواطا من الصناعة والدربة والمران حتى استقام واكتمل على هذا الشكل الموزون المقفى .
إن هذا الفن القولي لم يكن عمل فرد واحد أو بضعة أفراد , بل كان عمل أجيال متعاقبة, وجد بعض أبنائها في أنفسهم المقدرة على صوغ أفكارهم وأحاسيسهم في أوزان وقواف تهتز لها النفوس وتطرب لها الأسماع .
ومن المعلوم أن جزءا ضئيلا من الشعر الجاهلي قد وصل إلينا , أما معظمه فقد ضاع واندثر , يقول أبو عمرو بن العلاء( 154هـ) : ( ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله , ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير ) .

ولعل أسباب الضياع تعود إلى طبيعة البيئة الصحراوية, وما تفرضه على الحياة العربية من عدم استقرار , فهم في حل وترحال دائم , يتنقلون وراء مساقط الماء ومنابت الكلأ, لا يعتمدون على الكتابة في حفظ تراثهم الأدبي ؛ لقلة من يجيدونها, ومن ثم كان اعتمادهم بشكل كبير على الحفظ والرواية, وهما يتصلان بالطبيعة الإنسانية التي تتأثر بالنسيان والموت .
وليس من المستطاع تحديد حقبة زمنية معينة لبدء تلك المحاولات الشعرية, ولكن ما بأيدي الرواة من الشعر الجاهلي يرقى عهده إلى مائتي سنة على الأكثر, وهو التحديد الزمني الذي قرره الجاحظ ( 255هـ ) في قوله : ( وأما الشعر فحديث الميلاد صغير السن ,أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة Coolفإذا استظهرنا الشعر وجدنا له ـ إلى أن جاء الله بالإسلام ـ خمسين ومائة عام , وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام ) .
ويبدو أن الجاحظ لم يرد أن أول قصيدة جاهلية نظمها شاعر جاهلي تعود إلى مائتي عام قبل الإسلام, وإنما أراد أن بدائع هذا الشعر وروائعه التي توافرت فيها التقاليد الفنية ـ لغوية كانت أو موسيقية أو تصويرية ـ هي التي نظفر بها خلال هذين القرنين .
أي أن الجاحظ يعين عمرا للشعر الجاهلي الذي عُرِفَ وهو ناضج مكتمل فنيا, وموضوعيا ,وموسيقيا, أما ما قبل ذلك التاريخ فلا يمكن أن يحد بحقبة زمنية معينة , ذلك أن هناك مئات من السنين قد مر بها الشعر الجاهلي حتى وصل إلينا بهذه الصورة المتكاملة .
فالنمو الطبيعي للقصيدة الجاهلية بأوزانها وموضوعاتها ومضامينها ,يستدعي أن تكون هذه القصيدة قد مرت بأطوار كثيرة ,قبل أن يكتب لها هذا الاكتمال الشامل .
لأننا لو رجعنا إلى القصائد الطويلة في الأدب الجاهلي لوجدنا أنها تأخذ نمطا معينا في التعبير والأداء ,وكأن الشعراء كانوا يحرصون على أسلوب متوارث فيها, وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن القصيدة الجاهلية قد مرت بمراحل معينة كانت تقتفي فيها أنماطا تقليدية سائدة .
ولعل في الشعر الجاهلي نفسه ما يؤكد تلك المحاولات السابقة, ممثلة بما ذكره بعض الشعراء كامرئ القيس وعنترة وزهير, هؤلاء الذين أقروا بوجود شعراء قد سبقوهم إلى قول الشعر, يقول امرؤ القيس :
عوجا على الطلل المحيل لعلنا نبكي الديار كما بكى ابن حُذامِ
فالشاعر هنا إنما يحاكي من سبقه في الوقوف على الديار والبكاء عليها ,وهو منهج قد التزامه الشعراء فيما بعد , ونسجوا على منواله .
ويقول عنترة بن شداد :
هل غادر الشعراء من متردمِ أم هل عرفت الدار بعد توهمِ
فهو إقرار واضح من الشاعر بأنه قد سبق بأجيال من الشعراء قد طرقوا المعاني والموضوعات الفنية , واستوفوا جميع مفرداتها وتعابيرها الجميلة, فلم يغادروا صغيرة أو كبيرة إلا وتناولوها في أشعارهم .
ويقول زهير بن أبي سلمى:
ما أرانا نقول إلا معارا أو معادا من لفظنا مكرورا
فزهير يؤكد أن الذين سبقوه لم يتركوا شيئا إلا طرقوه ووقفوا عنده .
ومن النقاد الذين تناولوا هذه القضية كذلك ابن سلام الجمحي ( 231هـ ) الذي يقول: ( ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته,Cool، وكان أول من قصد القصائد وذكر الوقائع المهلهل بن ربيعة التغلبي في قتل أخيه كليب وائل ( وكان اسم المهلهل عديا ) وإنما سمي مهلهلا لهلهلة شعره كهلهلة الثوب, وهو اضطرابه واختلافه) , أو لأنه هلهل الشعر , بمعنى سلسل بناءه .
أي أن ابن سلام يتحدث عن البدايات الأولى للشعر العربي , وإنه كان في صورة مقطعات صغيرة, وأبيات مفردة , ثم يعمد إلى تحديد بداية تقصيد القصائد, وأن المهلهل بن ربيعة هو أول من قصدها إثر مقتل أخيه كليب في حرب البسوس على يد جساس بن مرة , فرثاه بقصيدة مطلعها :
أليلتنا بذي حُسُمٍ أنيري إذا أنتِ انقضيتِ فلا تحوري
فضلا عن أنه قد أشار إلى أسماء بعض الشعراء القدماء الذين رويت لهم مقطعات شعرية أو أبيات مفردة ,أمثال دويد بن نهد القضاعي, وأعصر بن سعد بن قيس عيلان , والمستوغر بن ربيعة , وزهير بن جناب الكلبي , وجذيمة الأبرش .
كما وقف ابن قتيبة ( 276هـ ) عند أولية الشعر الجاهلي دون أن يحدد الحقبة الزمنية لنشأته , قائلا ): لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حدوث الحاجة ) , فهو يتجنب بذلك الحديث عن تقصيد القصائد , أو محاولة إبداء رأي في نشأة الشعر الجاهلي, مكتفيا بالحديث عن الأبيات المفردة التي يقولها الرجل لحاجة ما , فتلك الأبيات هي الأساس الذي انطلق منه الشعر, حتى استوى قصائد كاملة ناضجة.
ومن المستشرقين الذين تناولوا هذه القضية المستشرق بروكلمان الذي يقول: إن شعر العرب كان ( فنا مستوفيا لأسباب النضج والكمال منذ أن ظهر العرب على صفحة التاريخ , ولا تستطيع رواية مأثورة أن تقدم لنا خبرا صحيحا عن أولية الشعر) .
وعلى العموم فإن هناك اختلافا واضطرابا في معرفة الشاعر الأول الذي قصد القصائد , ويبدو أن العصبية القبلية كانت هي السبب الرئيس وراء ذلك, فكل قبيلة تحاول أن تنال قصب السبق , وتستأثر بالمجد دون سواها من القبائل, فتدعي أن شاعرها هو أول من قصد القصيد , ثم نسج الآخرون على منواله , فادعت اليمانية أن امرئ القيس أول من أطال القصائد, وقال بنو أسد بل عبيد بن الأبرص, ونسب التغلبيون الأولية إلى مهلهل, وعزاها البكريون إلى عمرو بن قميئة والمرقش الأكبر, وزعم بعضهم أن الأفوه الأودي أقدم من هؤلاء وانه أول من قصد القصيد.
على أن هذه القبائل لم تكن تتنازع في أول من قال الشعر, ولا في قائل البيتين أو الثلاثة ؛ لأنهم لا يعدون ذلك شعرا, فضلا عن أنهم كانوا يدركون أن هناك محاولات قد سبقتهم إلى ذلك ,ومن ثم فهم إنما كانوا يتنازعون في أول من نضج الشعر على يديه , وصار فنا مكتمل المعالم واضح السمات .
ومن هنا تظل البداية الحقيقية للشعر الجاهلي مشوبة بالضبابية والاضطراب , والأحكام غير المؤسسة على معايير علمية يمكن الاطمئنان إليها ,لتزيل الغموض الذي اكتنف المحاولات الأولى لقول الشعر .

المحاضرة الرابعة : ( رواية الشعر الجاهلي )
إهتم العرب بتراثهم الأدبي، ولم يركنوا إلى سواه، فهو مثلهم الأعلى، وهم أمة الأدب، وقد نال الشعر ـ ولاسيما الجاهلي ـ اهتماما خاصا منهم، بوصفه ( أساس الأدب العربي كله, وعنوان فحولته وأصالته، شغل به العلماء والأدباء من القدامى ) ، واحتل مكانة كبيرة في نفوسهم؛ لأنه قد مثل( القمة الشامخة التي وصل إليها الشعر في جودة أسلوبه، وحسن صياغته, وجمال معانيه, وسلامة لغته) مما جعله رأس الفنون الأدبية عندهم, يقول ابن سلام : ( وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم , به يأخذون واليه يصيرون ) , ويقول عمر بن الخطاب : ( كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه ) , ويقول الجاحظ: ( فكل أمة تعتمد في استيفاء مآثرها، وتحصين مناقبها، على ضرب من الضروب، وشكل من الأشكال، وكانت العرب في جاهليتها تحتال في تخليدها بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون والكلام المقفى ) ، الذي يرضي جمهور المتلقين بشكل عام، والمثقفين منهم بشكل خاص، على اختلاف منازعهم وأذواقهم .
وهكذا احتفل العرب بهذا الفن وعظم تأثيره في حياتهم ,وتبوأ منزلة متقدمة في أخبارهم ورواياتهم , انسجاما مع طبيعة الدور الذي نهض به,والمهمة الكبيرة التي تكفل بها , لما له من قدرة في التأثير وبراعة في التوجيه , حتى غدا سجلا لمآثرهم ومفاخرهم التي حرصوا على تخليدها وسيرورتها، يقول ابن قتيبة (وللعرب الشعر الذي أقامه الله تعالى مقام الكتاب لغيرها،وجعله لعلومها مستودعا،ولآدابها حافظا، ولأنسابها مقيدا،ولأخبارها ديوانا, لا يرثّ على الدهر، ولا يبيد على مر الزمان) ،لما يتمتع به من السمات والمؤهلات التي هيأت له الرسوخ والاستمرار عبر العصور المختلفة.
وقد كان للشعر تأثير كبير في نفوس العرب, وهيمنة عظيمة, فرب بيت شعر يقوله شاعر يرفع به قدر وضيع أو يضع قدر رفيع, يقول الحصري القيرواني ( ت 453هـ ) : ( وقد بنى الشعر لقوم بيوتا شريفة, وهدم لآخرين أبنية منيفة) , والأدلة على ذلك في الشعر كثيرة, فهؤلاء أولاد جعفر بن قريع الذين عرفوا ببني أنف الناقة, كانوا يأنفون من هذا اللقب بوصفه سبة عليهم, حتى مدحهم الحطيئة بقوله :
قَومٌ هُمُ الأَنفُ وَالأَذنابُ غَيرُهُمُ وَمَن يُسَوّي بِأَنفِ الناقَةِ الذَنَبا
فصار اسمهم شرفا لهم ومفخرة , بعد أنْ كان سبة وعارا .
وكذلك حال المحَلق الذي كان فقيرا خاملا لا ذكر له , حتى أشاد به الأعشى وامتدحه بقصيدة ذكر فيها كرمه وشرفه , قائلا:
أَرِقتُ وَما هَذا السُهادُ المُؤَرِّقُ وَما بِيَ مِن سُقمٍ وَما بِيَ مَعشَقُ
Cool
لَعَمري لَقَد لاحَت عُيونٌ كَثيرَةٌ إِلى ضَوءِ نارٍ في يَفاعٍ تُحَرَّقُ
تُشَبُّ لِمَقرورَينِ يَصطَلِيانِها وَباتَ عَلى النارِ النَدى وَالمُحَلَّقُ
Cool
تَرى الجودَ يَجري ظاهِراً فَوقَ وَجهِهِ كَما زانَ مَتنَ الهِندُوانِيُّ رَونَقُ
ثم نادى الأعشى Sad يا معشر العرب هل فيكم مذكار يزوج ابنه إلى الشريف الكريم, فما قام المحلق من مقعده حتى زوج بناته جميعا ) , أي أن الناس بدأت تنظر إلى المحلق بعد مدحه من الأعشى نظرة فيها إجلال وإكبار , فقد تمثلت فيه الفضائل والمكرمات .
ومثلما كان الشعر يسخر للخير ورفع قيمة الناس , فقد يوظف للشر والحط من قيمتهم , كما هو حال بني عبد المدان الذين من الله عليهم بسعة الصدور وطول الأجسام وغلظتها, فكانوا يفخرون بذلك على غيرهم , حتى قال فيهم حسان :
لا بأس بالقوم من طول ومن عِظَمٍ جسم البغال وأحلام العصافير
فكان ذلك سبيلا للحط من شأنهم , وكسرا لشوكتهم, فجاءوا يسترضونه ويطلبون صفحه, حتى يصلح ما أفسده بقوله , فكان أن مدحهم قائلا :
وقد كنا نقول إذا رأينا لذي جسم يُعدُ وذي بيانِ
كأنك أيها المعطى بيانا وجسما من بني عبد المدانِ
فعادوا إلى سيرتهم الأولى, ومكانتهم السابقة .
كذلك ما كان من أمر بني العجلان الذين كانوا يتباهون بلقب جدهم ( عبد الله بن كعب العجلان) , الذي سمي بذلك لتعجيله القرى للأضياف,وقد ظل هذا اللقب مصدر فخر وزهو لهم , حتى هجاهم قيس بن عمرو النجاشي بقوله :
إذَا اللَّهُ عَادَى أهْلَ لُؤْمٍ وَرِقَّةٍ فَعَادَى بَنِي العَجْلاَنِ رَهْطَ ابْنِ مُقْبِلِ
قَبِيِّلَـــــــةٌ لاَ يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلاَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَـــــــــرْدَلِ
Cool
وَمَا سُمِّي العَجْلاَنَ إلاَّ لِقَوْلِهِ خُذِ القَعبَ واحْلُبْ أيُّهَا العَبْدُ واعْجَلِ
فصار هذا اللقب سبة وعارا عليهم , يخجلون من التسمي به .
ومثلما احتفى العرب بفنهم الشعري، فقد احتفوا بالشاعر بوصفه مبدع هذا الفن القولي ومنشأه، فتبوأ في مجتمعه منزلة رفيعة، وسما قدره فيهم، فقد( كانت الشعراء عند العرب في الجاهلية بمنزلة الأنبياء في الأمم ) لما أنيط بهم من مهام عظام،من هنا( كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها،وصنعت الأطعمة, واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر،كما يصنعون في الأعراس،ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم وذب عن أحسابهم ، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم ، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد ، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج ), فالشاعر سلاح القبيلة وأداتها، فهو يقارع خصومها وينافح الأعداء عنها, ويمجد أفعالها، بقريحته الشعرية الوقاّدة، وقوله المؤثر النفاذ .
ولم يكن الشعر عند العرب ضربا من الترف, أو وسيلة لتزجية الوقت, أو فنا مقصورا على فئة قليلة من الناس, وإنما كان فنا رفيعا يجد فيه الناس تعبيرا عن عواطفهم وأحاسيسهم , ووسيلة تهذيبية هدفها إشاعة القيم الخلقية وغرسها في نفوس الناس, من هنا أقبلوا عليه إقبالا شديدا , وحرصوا على حفظه وروايته .
لقد كانت الرواية الشفوية عند العرب هي الوسيلة الأساس لحفظ الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى عصر التدوين في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث, فقد ( كانوا أميين لا يكتبون ) , كما يقول الجاحظ ,وأن الذين يجيدونها كانوا قلة قبل الإسلام ,أي أن الكتابة لم تكن هي الوسيلة الفعالة لتدوينه وحفظه للأجيال التالية؛إذ لم تكن متداولة بشكل كبير,وإنما كانت معروفة عند طائفة معينة في بعض الأماكن المستقرة مثل مكة ويثرب والحيرة, تلك الأماكن التي تتوافر فيها مقومات الكتابة, ولاسيما أدواتها المختلفة ,فكان الاعتماد على الحافظة, والاتكاء على الذاكرة هي السبيل الرئيس لحفظه وتداوله .
على أن ذلك لا يمنع أن يكون بعض الشعراء يعرفون الكتابة, يقول المرقش الأكبر :
الدَّارُ قَفْرٌ والرُّسُومُ كَما رَقَّشَ في ظَهْرِ الأَدِيمِ قَلَمْ
ويقول الحارث بن حلزة :
لِمَنِ الدِيارُ عَفونَ بِالحَبسِ آياتُها كَمَهارِقِ الفُرسِ
ويقول لقيط بن يعمر الإيادي :
سَلامٌ في الصَحيفَةِ مِن لَقيطٍ إِلى مَن بِالجَزيرَةِ مِن إِيادِ
بِأَنَّ اللَيثَ كِسرى قَد أَتاكُمُ فَلا يَشغَلكُمُ سَوقُ النِقــــادِ
ومن هنا كان بعضهم ( يدع القصيدة تمكث عنده حولا كاملا يردد فيها نظره, ويجيل فيها عقله, وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات ) ,كما هو شأن زهير بن أبي سلمى .
ومع ذلك تبقى رواية الشعر الشفوية عظيمة القدر في العصر الجاهلي , يعتمد عليها الناشئون ليتخرجوا ويجود شعرهم,ويرتفع قدرهم ,كما ارتفع قدر من يروون عنه ؛إذ إن الموهبة الشعرية لا تكفي وحدها ليكون الشاعر مجيدا ومتميزا, فلا بد من أن تكون له ثقافة متميزة تصقل موهبته, وتعزز من رصيده الفني .
الرواية : من رويت القوم أرويهم , إذا استقيت لهم الماء ,والراوية هي المزادة ( القربة ) التي فيها الماء , ويسمى البعير أو البغل أو الحمار الذي يُستقى عليه راوية من تسمية الشيء باسم غيره, كما يُسمى الرجل الذي يَستقي الماء راوية أيضا .
والبعير يروي الماء أي يحمله, ثم أصبحت الراوية هي الدابة التي تتخذ لحمل المتاع مطلقا , يقول زهير بن أبي سلمى :
يسيرون حتى حبسوا عند بابهِ ثقالَ الروايا والهِجانَ المتاليا
فالروايا هنا: الإبل التي يحمل عليها المتاع إطلاقا .
كما أخذت تدل على الشخص الذي يحمل الديات , فيقال إن فلانا راوية للديات أي يحملها ,يقول الكميت :
وكنا قديماً رَوَايا المئين بنا يثقُ الجارِمُ المُبسَلُ
ومن مجاز هذه اللفظة رواية الحديث والشعر أي حمله, ومن ثم فإن راوية الشعر في العصر الجاهلي :هو الشخص الذي يحمل شعر الشاعر وينقله ويذيعه بين الناس .
فما يكاد الشاعر يلقي قصيدته حتى يتلقفها الرواة ويذيعونها بين الناس , ثم تأخذ مسارها للانتشار في مجالس القوم بسرعة عجيبة غريبة , وقد عبر عن ذلك عَميرَةُ بن جُعَيْل حين هجا قومه ثم ندم على ذلك, ولم يكن ندمه ليحول دون انتشار قصيدته :
نَدِمْتُ على شَتْمِ العشيرةِ بعدَما مضَت واسْتَتَبّتْ للُرواةِ مَذاهبُهْ
فأصبحتُ لا أسطيعُ دفعا لما مضى كما لا يَرُدّ الدَرّ في الضِرعِ حالبهْ
ويقول المسيب بن علس في مديحه القعقاع بن معبد بن زرارة:
فَلَأُهدِيَنَّ مَعَ الرِياحِ قَصيدَةً مِنّي مُغَلغَلَةً إِلى القَعقاعِ
تَرِدُ المِياهَ فَما تَزالُ غَريبَةً في القَومِ بَينَ تَمَثُّلٍ وَسَماعِ
ويقول حميد بن ثور :
لأَعتَرضنْ بِالسَّهلِ ثُمَ لأَحدُوَنْ قَصائِدَ فيـــــها لِلمَعــاذيرِ زاجِرُ
قَصائِدَ تَستَحلي الرواةُ نَشيدَها وَيَلهو بِها مِن لاعبِ الحي سامِرُ
وقد كان للشاعر راوية أو عدة رواة يلازمونه وينقلون عنه شعره , فضلا عن أن هناك طبقة احترفتها احترافا ,هي طبقة الشعراء أنفسهم , وهم قسمان :
1ـ شعراء يروون شعر شاعر بعينه , فيحفظون هذا الشعر ويتتلمذون للشاعر, وينسجون على منواله بوعي وإدراك في بدء أمرهم , ثم يصبح ذلك طبيعة يصدرون عنها صدورا فنيا , فتكتمل بذلك سلسلة من الشعراء الرواة الذين تجتمع في شعرهم مجموعة من الخصائص الفنية المشتركة ,التي يمكن أن تسمى على ضوئها ( مدرسة شعرية ) .
ولعل من أهم تلك المدارس مدرسة أوس بن حجر, فقد أخذ عنه زهير بن أبي سلمى الشعر ورواه حتى أجاد نظمه , وقد كان لزهير راويتان كعب ابنه والحطيئة , وعن الحطيئة تلقن الشعر ورواه هُدْبة بن خَشْرَم العذري, وعن هدبة أخذ جميل بثينة , وعن جميل أخذ كثير عزة .
2ـ شعراء يروون شعر من سبقهم ومن عاصرهم من الشعراء, فلا يخصون شاعرا بعينه يتتلمذون عليه , وإنما يردون مناهل شتى يستقون منها, حتى تكتمل شخصيتهم الفنية , وقدراتهم الشعرية المستقلة, التي تتيح لهم خوض غماره, ودخول معتركه .
على أن العناية برواية الشعر لم تكن مقتصرة على طبقة الشعراء أو مجموعة من الرواة, وإنما كانت القبائل تحرص على رواية أشعارها؛لأنها سجل محامدها ومآثرها ومفاخرها,وديوان بطولاتها , فتعمد إلى تعليم صغارها الشعر وحفظه ولاسيما شعر القبيلة نفسها, لينتقل من جيل إلى جيل, ويبقى صداه مدوينا في النفوس والأسماع, كما فعلت قبيلة تغلب التي كانت تحتفي بقصيدة شاعرها عمرو بن كلثوم التي مطلعها( أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا ), وتعظم من شأنها , وتكثر من ترديدها وروايتها صغارا وكبارا, حتى هجاهم أحد شعراء بكر بن وائل بذلك فقال :
ألهى بني تغلبٍ عن كل مكرمةٍ قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثومِ
يروونها أبدا مُذْ كان أولهـــــــم يا للرجالِ لشعرٍ غيرِ مسْئُومِ
ولم يقتصر حفظ القصائد وروايتها على أبناء القبيلة فقط , وإنما يتجاوزه إلى القبائل الأخرى , فينشدونه في مجالسهم ويتمثلون به في محافلهم .
واستمرت رواية الشعر حتى بعد مجيء الإسلام , فعلى الرغم من انشغال العرب بالدين وانصرافهم إلى حفظ القرآن الكريم والفتوحات الإسلامية, إلا أنهم لم يهجروا الشعر ولم يتركوا روايته وسماعه .
وقد تضافرت جهود كثيرة لجمع الشعر الجاهلي وروايته وحفظه, فالي جانب الرواة والشعراء كانت هناك فئة من القصاص الذين يجتمع حولهم الناس في المساجد, يقصون عليهم ويعظونهم ويتمثلون بالشعر في أحاديثهم, كذلك كان دأب المؤرخين ورواة السيرة النبوية وغزوات الرسول, أمثال أبان بن عثمان وعروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق , الذين كانوا يعنون بالشعر الذي قيل في الغزوات والأيام .
وقد برزت مدرستين أو فئتين لكل منها أسلوبها ومنهجها, الأولى كوفية والثانية بصرية .
يأتي في مقدمة رواة الكوفة حماد الراوية ( ت 156هـ ), المتهم بتزيده وكذبه وانتحاله الشعر , على أن ذلك لا يمنع من أن يكون هناك رواة ثقات أمثال المفضل الضبي( ت168هـ ),أبو عمرو الشيباني ( ت 213هـ ),ابن الأعرابي ( ت231هـ ), محمد بن حبيب ( ت245هـ ) , ابن السكيت ( ت244هـ ), ثعلب ( 291هـ ).
أما رواة البصرة فيأتي في مقدمتهم أبو عمرو بن العلاء ( ت 154هـ) ,ومثلما كان في الكوفة رواة متهمون بالوضع والانتحال والتزوير كان في البصرة كذلك, ولعل من أبرزهم خلف بن حيان الأحمر ( ت180هـ) .
فضلا عن ذلك فقد كان في البصرة رواة ثقات عدول يتصدون للوضاعين والمتزيدين , أمثال الأصمعي ( ت216هـ) , أبو زيد الأنصاري ( 214هـ), أبو عبيدة معمر بن المثنى (211هـ) .

المحاضرة الخامسة : ( مصادر الشعر الجاهلي )
كانت الرواية الشفوية أهم وسيلة لحفظ الشعر الجاهلي حتى عصر التدوين في نهاية القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين, فقد شرع العلماء المسلمون ـ ولا سيما في الكوفة والبصرة ـ بجمع ما حفظ من الشعر الجاهلي على السنة الرواة, ومن ثم تدوينه مخطوطا في ما خلفوه من كتب. وقد أصبحت هذه الكتب بعد ذلك المصدر الرئيس الذي يعتمد عليه العلماء جيلا بعد جيل في رواية الشعر الجاهلي ودراسته .
ومما لاشك فيه أن بعض هذه المصادر قد نسبت إلى الشعراء الجاهليين أشعارا لم يقولوها,وهو أمر قد تنبه إليه العلماء القدماء والمحدثين الذين بذلوا جهودا كبيرة في سبيل إبراز تلك الأشعار الزائفة , من خلال إقامة الحجج والبراهين على زيفها .
وقد تباينت هذه المصادر في روايتها للشعر الجاهلي تبعا للمنهج الذي اختطه مؤلفوها,وقدراتهم على تمييز الصحيح من الزائف, والغرض من جمع هذا الشعر وتدوينه .
من أهم هذه المصادر :
الدواوين :
لم يكن القرن الأول الهجري عصر تدوين للشعر العربي, وإنما كانت الرواية الشفوية هي الأساس الذي يتناقل به الرواة القدماء والناس هذا الشعر جيلا بعد جيل, وما أن أطل القرن الثاني الهجري حتى برز عدد كبير من الرواة المعنيين برواية الشعر وتدوينه, سواء أكان لشعراء أفراد, أم لقبائل معينة,ومن أشهر هؤلاء الرواة أبو عمرو بن العلاء , وحماد الراوية, والمفضل الضبي, وخلف الأحمر, والأصمعي وغيرهم .
وتقسم الدواوين على قسمين :
1ـ الدواوين المفردة : وهي الدواوين التي تختص بشاعر واحد تتضمن شعره كله أو بعضه, فقد دون هؤلاء الرواة أشعار الجاهلية والإسلام , ورووا دواوين أكثر الشعراء الذين كان الناس يرددون أشعارهم,ولم يغفلوا إلا من كان مقلا أو مغمورا فجمع أبو عمرو الشيباني مثلا ديوان امرئ القيس ولبيد والأعشى, وجمع الأصمعي ديوان النابغة والمهلهل وبشر بن أبي خازم وغيرهم .
وتكمن أهمية الدواوين المفردة في أنها تفيدنا في دراسة شاعر بعينه, والإلمام بجميع تفاصيل شعره , والخصائص المميزة له .
2ـ دواوين القبائل : وهي الدواوين أو المجموعات الشعرية التي تتضمن أشعار قبيلة معينة , بما فيها من قصائد كاملة أو مقطعات قصيرة أو أبيات متفرقة لشعراء تلك القبيلة, أو لبعض شعرائها , وقد تضم أكثر شعر هؤلاء الشعراء, فضلا عن أنها قد تضم جميع شعر الشاعر منهم وديوانه كاملا, إلى جانب الأخبار والقصص التي تتصل بالشاعر نفسه أو أفراد قبيلته, مما يجعل من هذه الدواوين سجلا لحوادث القبيلة ووقائعها, ومفاخرها ومناقبها .
والملاحظ أن أغلب تلك الدواوين قد ضاع واندثر, ولم يسلم منها سوى ديوان الهذليين صنعة أبي سعيد السكري ( ت 270هـ ) .
وهذيل قبيلة عربية شديدة القرابة من قريش, وقد اشتهرت هذه القبيلة بكثرة شعرائها, حتى نقل عن الأصمعي أنه قال : ( إذا فاتك الهُذلي أن يكون شاعرا أو ساعيا أو راميا فلا خير فيه ) .
كما اشتهرت هذيل أيضا بفصاحتها وسلامة لغتها من الشوائب؛ لأنها كانت تعيش وسط الجزيرة العربية بعيدا عن السواحل وجوار الأعاجم,حتى عدت إحدى القبائل التي يحتج بعربيتها .
إن جمع شعر قبيلة بعينها له أهمية كبيرة ؛لأنه يطلعنا على ما لكل قبيلة من خصائص فكرية ولغوية وفنية تتصف بها .
ـ المعلقات :
هي تلك القصائد المشهورة التي تمثل قمة ما وصل إليه الشعر العربي في العصر الجاهلي من المستوى الفني,ومتانة الأسلوب,فهي الصورة الناضجة الكاملة التي انتهت إليها تجارب الشعراء الجاهليين في التعبير الأدبي ,ومن هنا بلغت شهرتها مبلغا كبيرا غطت ما سواها من الشعر الجاهلي ,وصار لقائليها من الذكر والشهرة ما لم يحظ به غيرهم من الشعراء .
ويجمع المؤرخون على أن راوية الكوفة المعروف حماد الراوية ( ت 156هـ ) هو أول من جمع هذه القصائد ورواها,يقول أبو البركات الأنباري Sad وأما حماد الراوية فإنه كان من أهل الكوفة مشهورا برواية الأشعار والأخبار, وهو الذي جمع السبع الطوال ), ومع ما يثار من شكوك في توثيق حماد , واتهامه بالوضع والتزيد في الأشعار , إلا أن أحدا لم يشكك في روايته للمعلقات وتوثيقها .
والمعلقات لفظ من ألفاظ عدة أطلقها الرواة والباحثون على عدد من القصائد الجاهلية المميزة, وقد اختلف الباحثون عبر التاريخ وتعددت آراؤهم في تسميتها وفي عددها وفي أصحابها .
وعلى الرغم من اختلاف الآراء وتعددها في سبب تسميتها بهذا الاسم, إلا أن أكثرهم يرجع السبب في ذلك إلى تعليقها في ركن من أركان الكعبة .
ويبدو أن أول من أشار إلى ذلك هو هشام بن محمد الكلبي ( ت204هـ ) , الذي روي عنه أن أول شعر علق في الجاهلية شعر امرئ القيس , فقد علق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم , فعلقت الشعراء كذلك من بعده .
كما ذهب إلى تعليقها ابن عبد ربه ( 328هـ ) فقال Sad كان الشعر ديوانَ العرب خاصة والمنظومَ من كلامها، والمقيِّدَ لأيامها، والشاهد على أحكامها, حتى لقد بلغ من كَلَف العرب به وتَفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تَخيَّرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القبَاطيّ المُدرجة ( ثياب من كتان منسوبة إلى القبط ) ، وعَلِّقتها بين أستار الكعبة. فمنه يقال: مذهَّبة امرئ القيس، ومُذَهَّبة زُهير, والمذَهبات سبع، وقد يقال لها المُعَلقات ) .

ثم تبعه ابن رشيق ( ت463هـ ) فقال : (وكانت المعلقات تسمى المذهبات، وذلك لأنها اختيرت من سائر الشعر فكتبت في القباطي بماء الذهب وعلقت على الكعبة؛ فلذلك يقال: مذهبة فلان، إذا كانت أجود شعره )، كما سايره في ذلك ابن خلدون ( ت808هـ ) , والخطيب البغدادي ( ت 1093هـ ) , ومن المحدثين الدكتور ناصر الدين الأسد .
على أن بعض العلماء ينكرون التعليق بالكعبة ويرفضون القول به , وأول هؤلاء المنكرين أبو جعفر النحاس (ت 337هـ ) الذي يقول Sad وأما قول من قال إنها علقت بالكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة ) , وأيده في قوله أبو البركات بن الأنباري ( ت 577 هـ ) فقال : ( ولم يثبت ما ذكره الناس من أنها كانت معلقة على الكعبة ) .
وقد ساير هذا الرأي بعض الباحثين المعاصرين فأنكروا فكرة التعليق , منهم مصطفى صادق الرافعي الذي يقول : ( أما خبر الكتابة بالذهب أو بمائه والتعليق على الكعبة ففي روايته نظر, وعندي أنه من الأخبار الموضوعة ), كما أنكر التعليق الدكتور أحمد الحوفي ,والدكتور شوقي ضيف .
ويرى بعض المستشرقين ومنهم بروكلمان أن التعليق تسمية مجازية مأخوذة من الجودة والحرص والمحافظة على الشيء, فهي مشتقة من العِلْق بمعنى ( النفيس و الثمين ) .
ومهما جاء به المنكرون للتعليق من أدلة فإن المعلقات تسمية تفيد التعليق الحقيقي لهذه القصائد,وهو تعليق لا تنكره القرائن والشواهد, ولاسيما أن الشعر له أهمية كبيرة في حياة العرب, يتضح ذلك من حرصهم على حفظه وتناقله من جيل إلى جيل.
والى جانب تسمية هذه القصائد بالمعلقات ,فقد أطلق عليها ( السبع الطوال , السموط ,المذهبات , المشهورات ) , وجميع هذه التسميات تدل على الحرص والعناية والإجادة والاستحسان .
وكما اختلف العلماء والباحثون في تسمية تلك القصائد فأنهم اختلفوا كذلك في عددها وأصحابها, فمنهم من جعل المعلقات سبعا, ومنهم من جعلها تسعا, ومنهم من جعلها عشرا وغير ذلك .
إلا أن الرأي الراجح أن المعلقات هي سبع قصائد, وأن أصحابها هم ( امرئ القيس, وزهير بن أبي سلمى , وطرفة بن العبد, وعنترة بن شداد, وعمرو بن كلثوم, والحارث بن حلزة, ولبيد بن ربيعة ) .

ـ المفضليات :
وهي من أقدم مختارات الشعر العربي التي وصلت إلينا مما صنف في القرن الثاني الهجري, اختارها المفضل بن محمد الضبي الراوية الكوفي المشهور (ت 168هـ ), وهو أوثق من روى الشعر القديم .
وقد صنفها المفضل لتثقيف تلميذه محمد بن عبد الله المهدي ولي عهد المنصور, وهي مائة وثلاثون قصيدة , وقد تزيد أو تنقص , جمعت مابين 145 ـ 150 هـ , ويبدو أن اسمها الحقيقي ( الأشعار المختارة ) إلا أن الأدباء أطلقوا عليها المفضليات تمييزا لها من كتب المختارات الأخرى التي صنفت بعدها , يقول ابن النديم : (( وللمهدي عمل الأشعار المختارة المسماة بالمفضليات )) .
وللمفضليات منزلة كبيرة في الأدب العربي , فهي فضلا عن أنها أقدم مجموعة شعرية من نوعها في الشعر العربي , فإنها تمتاز بمزيات أخرى منها :

إن قصائدها قد رويت بتمامها, فلم يعمد المفضل إلى الاختيار والتفضيل بين أبيات القصيدة الواحدة .
جاء فيها عدد غير قليل من الكلمات المندثرة المهجورة التي قد لا نجدها في المعاجم اللغوية .
إن اسم مؤلفها كان موضع احترام من الآخرين , إذ لم يطعن أحد من معاصريه أو ممن جاء بعده في أمانته وصدقه .
إنها لا تضم من الأشعار إلا ما كان قديما, فقد تضمنت شعر سبعة وستين شاعرا منهم سبعة وأربعون جاهليا , وأربعة عشر مخضرما , وستة من العصر الإسلامي .
كل هذه المزيات جعلت المفضليات تحتل مكانة متميزة لدى العلماء والباحثين , فهي صورة صادقة للشعر العربي القديم , ومرآة تبرز جوانب الحياة العربية قبل الإسلام ؛لأنها قد جمعت في عهد لم يكن الزيف قد تطرق إلى التراث الشعري بشكل صريح .

ـ الأصمعيات :
تعد الأصمعيات ثاني مجموعة شعرية مختارة من الشعر العربي القديم بعد المفضليات, اختارها ورواها الراوية الثقة ,والعالم اللغوي البصري عبد الملك بن قريب الأصمعي ( ت 216هـ ) .
وقد صنفها الأصمعي بتوجيه من الرشيد ليختار قصائد من عيون الشعر العربي يعلم بها ولده الأمين ويؤدبه .
عُرِف الأصمعي بسعة روايته للشعر وقوة حفظه وذاكرته , حتى لقبه الرشيد بـ ( شيطان الشعر ) .
تتضمن الأصمعيات إثنتان وتسعون قصيدة ,بينها عدد من المقطعات القصيرة, جل شعرائها من الجاهليين القدماء , وهي موزعة على واحد وسبعين شاعرا .
تعتبر الأصمعيات في نظر الباحثين خير متمم لمجموعة المفضليات من حيث تصوير واقع الشعر العربي القديم , ومع ذلك فإنها تليها منزلة في الأهمية ,أي أن الأصمعيات كانت أقل شيوعا وعناية من قبل العلماء والباحثين , ويعود ذلك لعدة أسباب منها :

لأنها متأخرة عن المفضليات .
إن كثيرا من نصوصها كانت قصيرة أو غير كاملة , فضلا عن أن بعض أشعارها مشتركة مع المفضليات.
إفتقارها إلى سلسلة السند والرواية التي وجدت في المفضليات .
الألفاظ الغريبة فيها كانت أقل مما هو في المفضليات .
إن الأصمعي لم يروِ كثيرا من القصائد كاملة , بل اكتفى بمختارات منها .
يقول ابن النديم : (( وعمل الأصمعي قطعة كبيرة من أشعار العرب, ليست بالمرضية لقلة غريبها واختصار روايتها )) , ويقول بروكلمان : (( وقيل إن الأصمعيات لم تلق ما لقيته المفضليات وغيرها من الانتشار والقبول؛ لأنها أقل اشتمالا على غريب العربية , ولأن الأصمعي عمد فيها إلى اختصار الرواية )) .
وعلى الرغم من كل ذلك تبقى الأصمعيات وثيقة تمثل لغة العرب وخصائصهم .

ـ جمهرة أشعار العرب :
وهي من كتب الاختيارات الشعرية القديمة , تضم مجموعة كبيرة من قصائد فحول شعراء الجاهلية والإسلام , اختارها راوية مغمور لا نعرف عنه شيئا , ولا نجد له ترجمة في كتب الأدب , هو أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي ( ت في القرن الرابع الهجري ) .
تضم المجموعة ( تسع وأربعون قصيدة ) , مطولة من عيون الشعر الجاهلي والإسلامي, لتسع وأربعين شاعرا , موزعة على سبع فئات متكافئة , كل فئة تضم سبع قصائد وتحمل اسما خاصا بها, وهذه الفئات هي ( المعلقات, المجمهرات, المنتقيات, المذهبات, المراثي, الملحمات , المشوبات ) .
تتميز هذه المجموعة عن سابقاتها من الاختيارات بمقدمتها الواسعة التي تحدث فيها المؤلف عن أول من قال الشعر , وعن النبي (ص) والشعر, وشياطين الشعراء , وأخبار بعض الشعراء , وغير ذلك, إلى جانب ما فيها من تناظر مصطنع في التقسيم , فصاحب الجمهرة هو أول من سلك هذا الترتيب في تقسيم مختاراته , وقد يكون ابن سلام الجمحي في طبقاته قد مهد له السبيل .
ولعل ما يميز هذه المجموعة أيضا أن فيها عددا من القصائد المشهورة التي لا يعثر عليها في مصدر آخر .

ـ كتب الحماسة :
تعد كتب الحماسة رافدا مهما من روافد الشعر التي يستطيع من خلالها الباحثون الوقوف على أغراض الشعر واتجاهاته , ومعرفة الجوانب التي عالجها الشعراء, ولاسيما الذين ضاعت دواوينهم أو عرفوا بالمقلين أو المغمورين؛ لأن هذه المجاميع الشعرية قد تضمنت قصائدهم المفردة ,ومقطعات أشعارهم التي لم تقف عليها كتب الأدب أو تشير إليها مجاميع الشعر .
وتختلف كتب الحماسة عن المجموعات الشعرية الأخرى بأنها لا تثبت القصائد المختارة بتمامها, وإنما تعنى أكثر ما تعنى بالمقطعات والأبيات القليلة تختارها من المطولات, أي أنها تحكم الذوق في الاختيار, فضلا عن أنها تراعي التبويب لهذه النصوص المختارة بحسب المعاني أو الأغراض الشعرية المشهورة , وقد سميت بالحماسات لغلبة هذا الاسم عليها .
ـ حماسة أبي تمام :
تعد حماسة أبي تمام ( حبيب بن أوس الطائي ت 231هـ ) من أكثر الحماسات قيمة, وأغزرها شعرا, وقد سمي الكتاب بالحماسة ؛لأن أول أبواب الكتاب كانت أشعار الحماسة, لذلك سمي الكتاب باسم هذا الباب .
استخدم أبو تمام ذوقه الفني وحسه الشعري في الاختيار, وعني عناية خاصة بشعراء طيء فكان لهم النصيب الأوفر في الاختيار .
أما أبواب الكتاب فهي عشرة ( الحماسة, المراثي,الأدب, النسيب, الهجاء,الأضياف والمديح,الصفات, السير والنعاس,الملح, مذمة النساء) , وهي تضم (881 ) قصيدة ومقطعة موزعة على مئات من الشعراء الجاهليين والإسلاميين , ليس فيهم إلا من المحدثين المعاصرين له إلا العدد الضئيل , كما اشتملت على أشعار كثيرة لشعراء مغمورين ومجهولين, فضلا عن اشتمالها على روائع شعرية لا نجدها في الدواوين التي بين أيدينا أو المجموعات الشعرية التي سبقتها .
وقد أخذ على أبي تمام أن أبواب الكتاب كانت غير متناسقة الطول, فضلا عن أنه كان يغير بعض النصوص ليستقيم له الربط بين الأبيات, وقد أكد المرزوقي ( ت 421هـ ) هذه الحقيقة في شرحه, وهناك كتاب اختيارات آخر لأبي تمام هو ( الحماسة الصغرى ) أو ( الوحشيات ) .

ـ حماسة البحتري :
يمتاز هذا الكتاب بأنه من صنع شاعر كبير مرهف الذوق,يعرف كيف يميز الشعر الجيد من رديئه,هو أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري (ت 284هـ ) , تلميذ أبي تمام, فكان معجبا به,حتى حذا حذوه في الاختيار,وإن خالفه في عدد الأبواب الشعرية, فأبو تمام قد صنف كتابه في عشرة أبواب , أما البحتري فقد صنف كتابه في ( 174 ) بابا؛ وذلك لأنه عني بالمعاني الجزئية أكثر من عنايته بأغراض الشعر الرئيسة .
أي أنه لا ينظر في تبويب كتابه إلى الحماسة والمديح والفخر وغير ذلك من الأغراض الشعرية , وإنما يراعي المعاني الجزئية والأفكار التفصيلية التي تعود الشعراء التعبير عنها في كل هذه الأغراض, من هنا كثرت أبواب الكتاب وتنوعت الأشعار فيه حتى وصلت إلى ( 1454) مقطعة , لشعراء معظمهم من الجاهليين والإسلاميين والقليل منهم محدثين .
والملاحظ أن البحتري قد سمى كتابه بـ ( الحماسة ) حبا بمعارضة أستاذه؛ لأننا لا نجد في الكتاب بابا واحدا بهذا الاسم , وإنما هناك ما يقرب من ( 27 ) بابا في الحماسة , و ( 20 ) بابا يتضمن معنى من معاني الصداقة , و( 7) أبواب في معاني الشيب( ضياع الشباب, التحسر عليه, الجزع من المشيب الذي صرف النساء عنهم ) , يقول عدي بن الرقاع :
عَلاني الشَيبُ وَاِشتَعَلَ اِشتِعالا وَقَد غَشِيَ المَفارِقَ وَالقَذالا
ويقول جميل بثينة :
تَقــــــولُ بُثَينَةُ لَــــــــمّا رَأَت فُنوناً مِنَ الشَعَرِ الأَحمَرِ
كَبِرتَ جَميلُ وَأَودى الشَبابُ فَقُلتُ بُثَينَ أَلا فَاِقصُري
أَتَـــــنسيـــــنَ أَيّامَنـــا بِاللـِوى وَأَيّـــــــامَنا بِــــــذَوي الأَجفَرِ
من هنا يمكن أن نقول إن حماسة أبي تمام هي كتاب في ( فنون الشعر ) , أما حماسة البحتري فكتاب في ( معاني الشعر ) .
يمتاز الكتاب بأنه أدق تبويبا , وأشد إسعافا للباحث عما قيل في معنى من المعاني الشعرية الصغرى,أكثر من حماسة أبي تمام,إلا أن ذلك دفع البحتري إلى اجتزاء القصائد والاكتفاء بالمقطعات القصيرة والأبيات المفردة ( بيت أو بيتين) , أما حماسة أبي تمام فمقطعاتها أقرب إلى التمام وتصوير واقع الشعر القديم؛ لأن همَ المؤلف في الموضوع العام لا في المعنى الجزئي , لذلك نالت شهرة أكثر مما ن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-bowah.forumarabia.com
 
محاضرات في الأدب الجاهلي 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محاضرات في الادب الجاهلي 2
» الأدب العربي في العصر الجاهلي
» الادب الجاهلي
» المرأة العربية في العصر الجاهلي
»  الرومانتيكية ( الرومانسية ) في الأدب ...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ابـــــــــــــــــــــن البواح الثقافـــــــــــــــــــــــــي :: المنتدى الثقافي-
انتقل الى: